سورة سبأ - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


قوله تعالى: {قل مَنْ يرزُقُكم مِنَ السموات} يعني المطر {والأرضِ} يعني النبات والثمر. وإِنما أُمر أن يسأل الكفار عن هذا، احتجاجاً عليهم بأن الذي يرزُق هو المستحِقُّ للعبادة، وهم لا يُثبتون رازقاً سواه، ولهذا قيل له: {قُلِ اللّهُ} لأنهم لا يُجيبون بغير هذا؛ وهاهنا تم الكلام. ثم أمره أن يقول لهم: {وإِنَّا أو إِيَّاكم لَعَلَى هُدىً أو في ضلال مُبينٍ} مذهب المفسرين أن {أو} هاهنا بمعنى الواو. وقال أبو عبيدة: معنى الكلام: وإِنَّا لَعَلَى هُدى، وإِنَّكم لفي ضلالُ مبين. وقال الفراء: معنى: {أو} عند المفسرين معنى الواو، وكذلك هو في المعنى، غير أن العربيَّة على غير ذلك، لا تكون {أو} بمنزلة الواو، ولكنها تكون في الأمر المفوَّض، كما تقول: إِن شئت فَخُذ درهماً أو اثنين، فله أن يأخذ واحداً أو اثنين، وليس له أن يأخذ ثلاثة؛ وإِنما معنى الآية: وإِنّا لضالُّون أو مهتدون، وإِنكم أيضاً لضالُّون أو مهتدون، وهو يَعْلَمُ أن رسوله المهتدي، وأن غيره الضالُّ، كما تقول للرجل تكذِّبه: واللّهِ إِنَّ أحدنا لكاذب- وأنت تعنيه- فكذَّبْتَه تكذيباً غير مكشوف؛ ويقول الرجل: والله لقد قَدِم فلان، فيقول له من يَعْلَم كذبه: قل: إِن شاء الله، فيكذِّبه بأحسنَ من تصريح التكذيب؛ ومن كلام العرب أن يقولوا: قاتله الله، ثم يستقبحونها، فيقول: قاتَعَه الله، ويقول بعضهم: كاتعه الله؛ ويقولون: جوعاً، دعاءً على الرجل، ثم يستقبحونها فيقولون: جوداً، وبعضهم يقول: جوساً؛ ومن ذلك قولهم: ويحك وويسك، وإِنما هي في معنى {ويلك} إِلا أنها دونها.
قوله تعالى: {قل لا تُسألون عمَّا أَجرمنا} أي: لا تؤاخَذون به {ولا نُسألُ عمَّا تَعلمون} من الكفر والتكذيب؛ والمعنى: إِظهار التبرِّي منهم. وهذه الآية عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك.
قوله تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بيننا ربُّنا} يعني عند البعث في الآخرة {ثُمَّ يَفْتَحُ بيننا} أي يقضي {بالحقِّ} أي: بالعدل {وهو الفتَّاح} القاضي {العليمُ} بما يقضي {قل} للكفار {أرونيَ الذين أَلحقتم به شركاء} أي: أَعلِموني من أيِّ وجه ألحقتموهم وهم لا يخلُقون ولا يرزُقون {كَلاَّ} ردع وتنبيه؛ والمعنى: ارتدِعوا عن هذا القول، وتنبَّهوا عن ضلالتكم، فليس الأمر على ما أنتم عليه.


قوله تعالى: {وما أرسلناكَ إِلاَّ كافَّةً للنَّاس} أي: عامَّة لجميع الخلائق. وفي الكلام تقديم، تقديره: وما أرسلناك إِلاَّ للناس كافَّةً. وقيل: معنى {كافة للناس}: تكفُّهم عمَّا هُم عليه من الكفر، والهاء فيه للمبالغة.
{ويقولون متى هذا الوَعْدُ} يعنون العذاب الذي يَعِدُهم به في يوم القيامة؛ وإِنما قالوا هذا، لأنهم يُنْكرون البعث، {قُلْ لكُم ميعادُ يوم} وفيه قولان:
أحدهما: أنه يوم الموت عند النَّزْع والسّياق، قاله الضحاك.
والثاني: يوم القيامة، قاله أبو سليمان الدمشقي.


قوله تعالى: {وقال الذين كَفَروا} يعني مشركي مكَّة {لن نؤمِن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه} يعنون التوراة والإِنجيل، وذلك أن مؤمني أهل الكتاب قالوا: إِنّ صفة محمد في كتابنا، فكفر أهلُ مكَّة بكتابهم.
ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال: {ولو ترى إِذ الظالمون} يعني مشركي مكة {موقوفون عند ربِّهم} في الآخرة {يَرْجِعُ بعضُهم إِلى بعض القولَ} أي: يَرُدُّ بعضُهم على بعض في الجدال واللَّوم {يقول الذين استُضعفوا} وهم الأتباع {للذين استكبروا} وهم الأشراف والقادة: {لولا أنتم لكُنَّا مؤمنين} أي: مصدِّقين بتوحيد الله؛ والمعنى: أنتم منعتمونا عن الإِيمان؛ فأجابهم المتبوعون فقالوا: {أنحن صددناكم عن الهُدى} أي: منعناكم عن الإِيمان {بعد إِذ جاءكم} به الرسول؟ {بل كنتم مجرمين} بترك الإِيمان- وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سبباً للعداوة في الآخرة- فردَّ عليهم الأتباع فقالوا: {بل مَكْرُ الليلِ والنهارِ} أي: بل مكرُكم بنا في الليل والنهار. قال الفراء: وهذا ممَّا تتوسع فيه العرب لوضوح معناه، كما يقولون: ليله قائم، ونهاره صائم، فتضيف الفعل إِلى غير الآدميين، والمعنى لهم. وقال الأخفش: وهذا كقوله: {مِنْ قريتك التي أخرجَتْكَ} [محمد: 13]، قال جرير:
لقد لُمْتِنا يا أُمَّ غَيْلانَ في السُّرَى *** ونِمْتِ وَما لَيْلُ المَطِيِّ بِنائمِ
وقرأ سعيد بن جبير، وأبو الجوزاء، وعاصم الجحدري: {بل مَكَرَ} بفتح الكاف والراء {الليلُ والنهارُ} برفعهما. وقرأ ابن يعمر: {بل مَكْرُ} باسكان الكاف ورفع الراء وتنوينها {الليلَ والنهارَ} بنصبهما.
قوله تعالى: {إِذ تأمُروننا أن نكفُر بالله} وذلك أنهم كانوا يقولون لهم: إِنَّ دِيننا حقّ ومحمد كذّاب، {وأَسرُّوا النَّدامة} وقد سبق بيانه في [يونس: 54].
قوله تعالى: {وجَعَلْنا الأغلالَ في أعناق الذين كَفَروا} إِذا دخلوا جهنم غُلَّت أيديهم إِلى أعناقهم، وقالت لهم خَزَنة جهنم: هل تُجَزون إِلا ما كنتم تعملون في الدنيا. قال أبو عبيدة: مجاز {هل} هاهنا مجاز الإِيجاب، وليس باستفهام؛ والمعنى: ما تُجزَون إِلا ما كنتم تعملون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5